قمه التميز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التربية ليست عملية إسداء نصائح

اذهب الى الأسفل

التربية ليست عملية إسداء نصائح Empty التربية ليست عملية إسداء نصائح

مُساهمة من طرف Admin الخميس يناير 02, 2014 12:30 am

بسم الله الرحمن الرحيم


التربية ليست عملية "إسداء نصائح"
من البديهي أن جزءاً رئيسياً من شخصية الأطفال يتكون من مجموعة السلوكيات التي تظهر بشكل غير لفظي، خفي وصامت. أما ما يتشكل منها بتأثير التربية عن طريق الكلام المتأطر بقالب النصائح والمواعظ، وبالتحديد تأثيرها المتسم بطابعه العابر والمتذبذب جداً، فإنه لا يتجاوز جزءاً ضئيلاً منها.
ومن التوقعات الجائرة الأكثر انتشاراً بين المعلمين والمربين وأرباب الأسر فيما يخص التربية هو أن يتقبل الطفل ما يتفوهون به من قرارة نفسه بينما الكلام لا يأمن أداء مهمة التربية. فإبداء الحقائق المترسخة في الذهن يمثل دافعاً طبيعياً يحث الشخص الراشد ليرغب في توعية الآخرين أيضاً إزاء هذه الحقائق. ولكن هذه اليقظة التي تتوقف عند مجالها المعرفي وبالتحديد المتكونة خلال مرحلة التعرف المتأرجحة، لا يمكن أن يكون لها مردودات تربوية. كما لا تعالج الملاطفة الطفل المحموم من الحمى، لا يثمر اطلاع الطفل على الحقائق كذلك انتشاله من جهله أو من مشاكله الشخصية والسلوكية.
فعلى سبيل المثال: على الصعيد التعليمي لا يسجل إبداعاً لأي معلم واع ومتمرس أن يجهد دوماً لنقل وفرض المعلومات والمعطيات والبيانات العلمية للتلاميذ (وفي إطار الكلام والمواعظ). بل إبداعه الأساسي وفي الوقت نفسه البارع هو إثارة دافع التعلم والاكتشاف والإبداع عند المتعلم. يتعين على المعلم أو المربي أن يوفر البيئة المناسبة ليندفع التلاميذ تلقائياً نحو التفكير والتمعن في القضايا بهدف تنمية قوة التفكير لديهم.
أي بتعبير آخر، تتحدد رسالة المعلم بأن ينتشل المتعلم من الذيلية اللفظية الكلامية والنصائح الخارجية وأن يوجهه إلى حقيقة باطنه بتوفير الخلفيات المحفزة والمناسبة لذلك. فأمثل الأفكار وأكثر العلاجات فاعلية وحتى أكثر التطبيقات العلاجية تأثيراً تتعشعش في باطن الإنسان. فأفضل النصائح يكمن في ذات الشخص ولا يتطلب تفعيلها إلّا الإعداد النفسي وتزكية القلب، ليهتدي الشخص من خلال "الدلالات الخارجية" إلى دلالاته الباطنية، وأن يتحرر من "عقل الغير" ويتوصل إلى "عقل الذات" ويستغني عن "نصائح الغير" ليرتوي من "نصائح الذات".
والحالة نفسها تحكم المشاكل والانحرافات الأخلاقية والسلوكية أيضاً. فعندما يواجه الأطفال مشاكل سلوكية بتأثير من مقتضيات أعمارهم وظروف نموهم النفسي الخاصة يحسن بنا، قبل أن نبادر لمعالجة وتغيير سلوكهم بالكلام والنصائح، أن نوفر لهم، بالأساليب العملية، ظروفاً تساعدهم على حل المشكلة المنظورة بأنفسهم. فمثلاً، لو كان أحد التلاميذ يعاني من الاكتئاب ويختبر اللااكتراث واللارغبة إزاء قضايا البيئة والأقران والمحفزات البيئية، فبدلاً من أن نحاول عن طريق النصائح دعوته لمواصلة حياة ناشطة يتوجب توفير أجواء في المدرسة أو المنزل ليلتذ الطفل من وجوده ويتجذر في نفسه الشعور بفائدة "وجوده"، وأن نشجعه للقيام بما يقدر على أدائه ليتذوق طعم النجاح والفوز، ويُغير بذلك الصورة التي يتبناها عن نفسه. عندئذ سوف نلتفت إلى أن هذا "الإجراء والسلوك" قد أزال الشعور بالاكتئاب والحزن تلقائياً دون تعاطينا معه بالكلام وإسداء النصح.
ينبغي لنا أن نستبدل لغة "الكلام" بلغة "الأداء والفعل". لأن لغة "السلوك" يعبر عن "الوضع النفسي" وعن المشاعر والعواطف والانفعال. لاشك أن القسم الأوفر من حالتنا النفسية وانفعالاتنا الاعتباطية اللاواعية تنكشف للآخرين أثناء نقل الخطابات الكلامية. وما يستنتج من "الكلام المحجوب" يكون أقوى تأثيراً وأوضح بياناً من جميع العبارات الصريحة المعروضة خلال الكلام الصريح.
ومع أن أسلوب الخطابة ونقل المعلومات ما زال يحتفظ بمكانته بين بقية الأساليب. ولكن اسداء النصائح والخطابة يُستخدمان غالباً باعتبارهما وسيلة لتحفيز الفكر أكثر من نقل المعلومات. فبعض المعلمين المتمرسين الذين يستندون إلى المنهج الناشط في حصصهم الدراسية لا يسمحون للتلاميذ حتى بتسجيل نوطات، حول ما يدور في الحصة من كلام، بهدف استزادة في مدى تركيزهم. من هنا ترى مجموعة من منظري المدرسة المثالية أن عملية التعليم والتربية الحقيقية لا تتحقق إلّا عن طريق الذات. فرغم عجز المعلمين عن ولوج أذهان التلاميذ ولكن بامكانهم أن يُعِدّوا مواد دراسية ويتبنوا نشاطات تؤثر في مدى تعلمهم. ومصادر هذه النشاطات ليست النصائح وكلام المعلم ولا المعلومات والعلم المكتسب بل أنها نشاطات شخصية، فاعلية واكتشافية. فالتعليم والتربية الناشطين عمليتان ذاتيتا التوجيه لا غيريتي التوجيه.
وكما يقول "سوتيس": مع التفوه بعبارات مثل: "الكواكب تنتمي إلى المنظومة الشمسية وتسير في مدار بيضوي" يمكن أن نرتاب بأن التلاميذ قد استوعبوا شيئاً ما، بل يمكن أن نشعر بالقلق بأن يلجأ التلاميذ إلى استقبال الحقائق بالحفظ الأصم بدلاً من فهمها واستيعابها. ففي الكثير من الحالات يفقد التعلم معناه إلى درجة حتى يغدو مجرد تكرر أصوات وليس التعلم والتزود بالعلوم بمعناه الواقعي.
فبعبارة أخرى، لا يتأتى العلم الواقعي إلّا من خلال عملية اكتشافية خاصة تساندها رؤى الشخص وتلقيه الباطني لا أن ينتقل إليه عن طريق الآخرين وفي إطار النصائح والخطابات.

Admin
Admin

عدد المساهمات : 432
تاريخ التسجيل : 19/09/2013

https://nesa.forumarabia.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى