قمه التميز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الاثار البعيدة المدى للخبرات المبكرة لدى الأطفال

اذهب الى الأسفل

الاثار البعيدة المدى للخبرات المبكرة لدى الأطفال Empty الاثار البعيدة المدى للخبرات المبكرة لدى الأطفال

مُساهمة من طرف Admin الخميس يناير 02, 2014 12:53 am

بسم الله الرحمن الرحيم

الاثار البعيدة المدى للخبرات المبكرة لدى الأطفال

كان الجدال يدور بين الباحثين وعلماء النفس حول الخبرات المبكّرة، وآثارها بعيدة المدى على شخصية وسلوك الطفل... البعض ينفي هذا التأثير، والبعض يؤكده.. حتى قال العلم كلمته.
حتى سنوات قليلة مضت، لم يتفق الباحثون النفسيون والتربويون حول الآثار بعيدة المدى للخبرات المبكّرة لدى الطفل، فانقسموا إلى تيارين، أحدهما يؤكد أهمية الخبرات المبكرة لدى الطفل، وبالتالي آثارها بعيدة المدى على شخصية الطفل وسلوكه، داعياً إلى ضرورة إيلائها - أي الخبرات المبكرة - الاهتمام التام بغية التأسيس النفسي والاجتماعي السوي لشخصية الطفل. وتيار آخر، لم يول أهمية للخبرات المبكرة لدى الطفل، منكرا آثارها بعيدة المدى على شخصية الطفل وسلوكه.
وتشمل الخبرات المبكرة لدى الطفل، آثار ممارسات رعايته (من حيث أسلوب تلبية حاجياته الأولية، وطريقة التواصل والتفاعل معه من قبل الأبوين والأم خاصة)، والاستجابات التي يبديها الطفل تجاه التجارب والحوادث والمواقف التي يتعرض لها خلال السنتين الأوليين من حياته. وهذه الخبرات المبكّرة تتكون في مرحلة ما قبل النضج الدماغي ونمو الذاكرة والقيام بعملياتها.
يبرر الباحثون والعلماء الذين يؤكدون على عدم أهمية الخبرات المبكرة لدى الطفل، موقفهم هذا، بالقول، إن نتائج الدراسات والبحوث حول الآثار بعيدة المدى للخبرات المبكرة لم تكن ثابتة، ولا يمكن الوثوق بها لأنها تقوم على ذكريات الأمهات، ومثل هذه النتائج تعتمد على الانتقائية في التذكّر، وليس على تسلسل دقيق وواقعي للأحداث.
ويعتبر عالم النفس البريطاني أ.د.ب. كلارك A.D.B.Clarke من الباحثين الذين أولوا اهتمامهم بهذه القضية، عبر مراجعته لنتائج البحوث والدراسات التي تناولت الآثار بعيدة المدى للخبرات المبكرة، فاستنتج أن الدلائل الأولية تشير إلى افتقادها للمعطيات العلمية اليقينية، وخلص إلى القول: إن الزعم أن للخبرات المبكرة تأثيراً طويل المدى على شخصية الطفل، أو نفي هذا التأثير، هي ادّعاءات تفتقد المعرفة العلمية اليقينية لتأكيدها أو نفيها. وهذا ما دفع كلارك إلى نفي الآثار بعيدة المدى للخبرات المبكرة لدى الطفل، مستنداً بذلك إلى مراجعاته لنتائج البحوث والدراسات، حيث وجد أن:
خبرات التعلّم قبل الشهر السابع من عمر الطفل، ذات ديمومة قصيرة الأجل، وما يلاحظ من آثار لهذه الخبرات الناجمة عن التعلّم المبكر لدى الطفل، إنما هي آثار تلقت ديمومتها من خلال تكرار الخبرات والتعزيز الأخير لها، أكثر من كونها نتيجة مباشرة للتعلّم المبكر. وهذا ما يؤكد - كما يقول كلارك - على أنه لا يوجد دليل علمي يشير إلى أن خبرات التعلّم أكثر بقاء في الذاكرة وأكثر مقاومة للمحو لدى الأطفال الصغار، لأن الذاكرة لا تكون قد نضجت بعد في هذا العمر المبكر من حياة الطفل.
الفروقات التي وجدت بتأثّر الأطفال بالحوادث المبكرة التي تعرضوا لها، فقد وجد أن العمليات النفسية المختلفة تتأثر بالخبرات المبكرة غير المناسبة بشكل متفاوت لدى الأطفال، إذ إن الوظائف الانفعالية وجدت أكثر سرعة وقابلية للتأثر من الوظائف الأخرى، مما يشير إلى فروقات فردية لدى الأطفال يعزوها كلارك إلى الوراثة، أو إلى إصابات دماغية.
وهذا ما دفع كلارك إلى التشكيك بالآثار بعيدة المدى للخبرات المبكّرة لدى الأطفال، خالصاً إلى القول، إن الاعتقاد بأن الخبرات التعليمية المبكرة جداً، ذات أثر قوي على الحياة الراشدة ينطوي، طبقاً لهذا الاعتقاد، على التسليم بأن الصفات الشخصية تبقى ثابتة نسبياً، ولا تبدو هذه النظرة صحيحة بالنسبة للأطفال الأسوياء ولمعظم جوانب سلوكهم، وذلك حتى السنوات الأولى من حياتهم المدرسية، حيث تبدو عندئذ فقط ارتباطات معتدلة بين سلوكهم الحالي، وسلوكهم في الحياة الراشدة. واستخدام درجات اختبارات الذكاء يمثل موقفاً مماثلاً، كما يتبنى الباحثون في ميدان الصحة النفسية، نظرة مفادها، أن الصفات المبكرة تدوم بشكل نسبي دون تغيّر، وتبدو هذه النظرة صادقة بالنسبة لقطاع خاص من المجتمع الإحصائي، يتصف أفراده بالقابلية لإظهار المشكلات، أو نتيجة لاختيار الدليل القائم على الإدراك المتأخر للشباب (أي إدراك السبب بعد حدوث المشكلة ذاتها).
ويضيف كلارك: (يبين الدليل أن أهميةالتعلّم المبكر، تكمن بشكل رئيسي، في طبيعته التأسيسية، إذ إن النمو يتقدم بمعدلات مختلفة عبر سلسلة من المراحل المثلى، بحيث تعتمد كل مرحلة على اكتمال المرحلة السابقة وسلامتها. ولكن يبدو من الأفضل التحدث عن (المراحل المثلى) في التعلّم البشري، لا عن (المراحل الحرجة)، فقد يتحسّن العجز الناشئ عن المعوقات البيئية، وذلك ضمن حدود متفاوتة، إذ تبين أن التفاعل بين البيئة والوراثة (الطبيعة والتربية)، يمارس تأثيراً كمّياً تدريجياً).
الأمن والارتياب
وعلى النقيض من ذلك، يدلل العديد من العلماء والباحثين النفسيين والاجتماعيين على الآثار بعيدة المدى للخبرات المبكرة لدى الطفل، من خلال العديد من الدراسات والبحوث التي تناولت برامج علاجية لمراهقين وراشدين، حيث اتضح أن معظم الاضطرابات النفسية الانفعالية ومشكلات السلوك الناتجة عن عدم التكيّف، التي يعانون منها، ترجع إلى خبرات مكتسبة خلال مرحلة الطفولة المبكرة، حيث تمتلك هذه الخبرات المبكرة ما يمكن تسميته بـ(الأثر النائم Sleeping effect) ، الذي يظهر في مراحل لاحقة من حياة الفرد.
بل الأكثر من ذلك، يؤكد بعض الباحثين أن الكثير من الاتجاهات التي تؤثر في رسم شخصية الفرد وتحدد ملامحها الرئيسية، تتشكل من خلال الخبرات المبكّرة. وفي ذلك يؤكد الأخصائي في تحليل سلوك الأطفال الدكتور إريك إريكسون E.Erikson: ( إن الطفل يتعلّم خلال فترة طفولته، فيما إذا كان العالم خيراً أو مكاناً آمنا للعيش فيه، أو مصدراً للألم والتعاسة والإحباط وعدم اليقين، وإن وجهتي النظر المتناقضتين والمدعوتين بـ(الأمن الأساسي) و (الارتياب الأساسي) شبيهتان جداً باتجاهي التفاؤل والتشاؤم عند الراشدين. فطريقة الوالدين في إشباع حاجات الطفل أو إهمالها تؤثر في نظرته إلى الحياة، وبالتالي في شخصيته. فقد يرى الطفل في عالمه مكاناً طبيعياً أو آمناً، أو تهديداً أو خطراً، ويتشكل الإحساس بالأمن أو الخطر والثقة بالذات أو عدم الكفاءة - والعديد من الاتجاهات الاجتماعية والذاتية ذات الأهمية من أجل صحة نفسية إيجابية - خلال الأشهر أو السنوات الأولى من حياة الطفل المبكّرة).
والمحللون النفسيون الذين يتبعون أسلوب تحليل الأحلام لمعالجة أنواع متعددة من الاضطرابات النفسية والسلوكية، تقودهم تحليلاتهم النفسية، من خلال تتبعهم لجذور هذه الاضطرابات، إلى الخبرات المبكرة لدى الفرد، والتي تعود إلى زمن الطفولة الأولى. وبهذا الصدد، يشير المحلل النفسي (شترومبل) إلى أن الحلم يبعث - إن جاز التعبير - من تحت أعمق الردوم وأشدها كثافة، (تلك التي هالها لاحق الزمن إلى أوائل خبراتنا في الطفولة، حتى تبدو في الحلم ولعين المستيقظ على السواء غريبة كل الغرابة، مجهولة كل الجهل، إلى أن يكشف عن أصلها المبكّر).
حديث الواقع
منذ خمسة أعوام عرضت إحدى الصديقات مشكلة ابنتها ذات الخمسة عشر عاماً، على الشكل التالي: كانت الفتاة - وهي بكر على شقيقين - تعيش حياة طبيعية. وفجأة انقلبت حياتها رأساً على عقب منذ ظهور المدعو (س) في حياة العائلة، حيث أخذت تنتابها حالات من الخوف والقلق والاضطراب. خصوصاً بوجود المدعو (س)، وراحت تتجنب الناس وانطوت على نفسها، ثم أصبحت تقفل باب غرفتها حتى أثناء النهار، مبررة ذلك بأن أحدهم يريد الاعتداء عليها دون تحديد شخصيته. وقد فشلت الفتاة في تبرير خوفها وقلقها من المدعو (س) على المستوى الشعوري، لكنها أكّدت بأنها تتمنى له الموت من أعماقها!
ومن خلال تحليل أحد الأحلام الذي تكرر كثيراً منذ لقائها بالمدعو (س)، والتداعيات التي أجريت لها، إلى جانب المعلومات التي قدمتها الأم لملء الفراغ الزمني بتسلسل الأحداث والمعلومات، اتضحت مشكلة الفتاة - والتي تعود إلى خبراتها المبكرة... في إحدى الليالي، وبينما كان والدا الفتاة يضعان اللمسات الأخيرة على هندامهما استعداداً لذهابهما إلى إحدى السهرات، والفتاة آنذاك بعمر السنتين تقريباً نائمة بغرفتها، جاءهم المدعو (س) وهو صديق والد الفتاة منذ الطفولة، ويعمل سائقاً على حافلة لنقل الركاب ما بين المدينة والريف، فطلب منه والد الفتاة البقاء بالبيت ومشاهدة الفيديو ريثما يعود وزوجته من سهرتهما، فقبل المدعو (س) دعوة صديقه، وهو المعتاد دائماً على السهر بمفرده - بحكم عمله - لدى صديقه وفي بيته. وبعد ذهاب والدي الفتاة ، وضع المدعو (س) فيلماً جنسياً في الفيديو وراح يشاهده، وأثناء إثارته، أيقظ الفتاة من نومها ونزع عنها حفوظتها، ويبدو أن الفتاة أثناء ذلك، راحت تبكي وتصرخ، مما اضطر المدعو (س) أن يرجعها إلى غرفتها، وغادر المنزل فوراً، خوفاً من افتضاح أمره.
وعند عودة الأب والأم من سهرتهما، دخل الأب غرفته ونزع ثيابه ونام فوراً، بينما ذهبت الأم إلى غرفة ابنتها وهي تسمع صراخها وبكاءها، فشاهدت حفوظتها منزوعة عنها، فارتابت للأمر بداية، وعندما شاهدت فيلم الفيديو (وكان لايزال في الجهاز)، أخذ الارتياب يزداد لديها، مما دفعها في اليوم التالي إلى أخذ ابنتها إلى الداية (القابلة)، فطمأنتها الأخيرة بأن ابنتها مازالت عذراء ولم تتعرض لاعتداء. فطوت الأم الموضوع نهائياً. أما المدعو (س)، فقد اختفى منذ تلك الليلة من حياتهم. وعندما سأل عنه والد الفتاة ، علم بأنه أوقف على ذمة التحقيق في قضية مقتل أحد الأشخاص (ثأر)، ثم سجن بعدها، بينما ارتحل والد الفتاة وأسرته إلى محافظة أخرى لدواعي العمل. وبعد ثلاثة عشر عاماً، أفرج عن المدعو (س) وأبعد عن منطقته (من ضمن الحكم) فارتحل إلى المحافظة التي يوجد فيها صديقه ليعمل فيها، دون علم مسبق بوجود صديقه بالمحافظة نفسها، وقابل صديقه صدفة، وعادت علاقتهما ثانية، وتجددت صلاته بالأسرة مرة ثانية بعد انقطاع دام ثلاثة عشر عاماً. ومنذ اللحظة التي قابلت فيها الفتاة ، المدعو (س)، انتابها الخوف والقلق والاضطراب بالرغم من أنها أكّـدت بأنها لا تذكره أبداً.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطاعت الفتاة أن تحتفظ بحالتها الانفعالية خلال الثلاثة عشر عاماً تجاه المدعو (س)؟ بالرغم من أن الدماغ - ومن ضمنه الذاكرة - لم يكن قد نضج آنذاك ليعمل على تخزين المعلومات واستذكارها لاحقاً.
الحسم علمياً
إن الاكتشافات التي تمت على يدي عالم الأعصاب جوزيف لودوكس Joseph Le Doux تجيب عن أسئلتنا، وتدعم النظرية القائلة بالآثار بعيدة المدى للخبرات المبكرة لدى الطفل، بالأدلة العلمية التي طالما افتقدتها سابقاً.
فقد كشفت الدراسات التي أجراها لودوكس على الدماغ، عن الدور الذي يقوم به النتوء اللوزي Amygdala - وهو على شكل لوزتين تتموضعان على جانبي الدماغ العاطفي والانفعالي بحياة الأشخاص.
فمن المعروف سابقاً أن الإشارات الحسيّة القادمة من الحواس الخارجية (العين، الأذن، الأنف.. وغير ذلك)، تذهب من هذه المراكز الحسيّة الخارجية إلى المخ حيث المهاد Thalamus ، على شكل سيالات كهربائية، ومن المهاد تذهب عبر القشرة الدماغية، إلى النتوء اللوزي. وبينما تقوم القشرة الدماغية بتحليل السيالات القادمة إليها من الحواس وتركيبها، ومن ثم إصدار الاستجابات المناسبة، فإن النتوء اللوزي تكون استجابته سريعة وانفعالية فور تلقيّه السيالات، وهذا ما يجعل استجابته دوماً محفوفة بالأخطاء، لأنها انفعالية وسريعة، لكنها، من جهة ثانية، تسمح لكل أجهزة الجسم بالاستنفار التام للقيام برد الفعل المناسب بالانسحاب أو الإقدام.
إلا أن الاكتشاف الأهم في دراسات لودوكس هو كشفه عن ممر عصبي آخر يصل ما بين المهاد والنتوء اللوزي مباشرة دون المرور بالقشرة الدماغية، إلى جانب المسار العصبي للسيالات سابق الذكر. وهذا الممر الثاني، يعتبر ممراً للطوارئ يسمح للنتوء اللوزي بالاستجابة السريعة (الانفعالية والعاطفية) قبل استجابة القشرة الدماغية. ومن جهة ثانية، يمكنه ذلك، من العمل بشكل مستقل من الناحية التشريحية عن القشرة الدماغية، من حيث الاستجابة الانفعالية والعاطفية عبر استحضار الذكريات الانفعالية والعاطفية دون وعي وإدراك لها من قبل الفرد لأنها مستقلة عن القشرة الدماغية مركز الذاكرة تماماً، إذ كشف لودوكس أن النتوء اللوزي يبدأ بتخزين الذكريات الانفعالية والعاطفية منذ لحظة الولادة، لأنه الجزء الوحيد في الدماغ الذي يكون الأكثر نضجاً واكتمالاً عند الولادة، وحالات الفرح والسعادة، التي يتعرض لها الطفل في مرحلة طفولته المبكرة، في وقت تكون فيه الذاكرة مازالت في طور التكوّن والتشكّل، حيث يعملان - أي النتوء اللوزي والذاكرة - لاحقاً - بتناسق تام، فالذاكرة تستذكر صوراً من الماضي، ويستحضر النتوء اللوزي المعادل الانفعالي والعاطفي لها. وفي حالات كثيرة، يستحضر النتوء اللوزي حالات انفعالية وعاطفية بشكل مستقل عن الذاكرة تماماً، عندما يمر الفرد بخبرات مشابهة للخبرات التي كوّنت حالة الانفعال العاطفية سابقاً، في مرحلة الطفولة المبكرة. وهكذا تتشكل الشخصية الانفعالية والعاطفية - إن جاز التعبير - للفرد، من خلال الخبرات المبكّرة في مرحلة الطفولة، مما يشير صراحة إلى الآثار الانفعالية والعاطفية بعيدة المدى للخبرات المبكّرة على شخصية الفرد لاحقاً.

Admin
Admin

عدد المساهمات : 432
تاريخ التسجيل : 19/09/2013

https://nesa.forumarabia.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى